أقفل العام 2022 على ارتفاع حجم المستوردات لتقترب من ارقام ما قبل الأزمة، حيث بلغ حجم الاستيراد عام 2022 نحو 17.80 مليار دولار، بعجز يبلغ 14.58 مليار دولار، مقارنة مع حجم استيراد بلغ 19.24 مليار دولار عام 2019 قبل بدء الأزمة المالية، بعجز وصل يومها إلى 15.51 مليار دولار. أين صُرفت هذه الاموال؟ وكيف توزعت المستوردات؟ وأي سلع تضاعف استيرادها؟
يؤكّد الباحث الإحصائي عباس طفيلي، انّ الاستيراد المخيف شكل عامل ضغط اضافياً على العملة، مع العلم انّه دخل إلى البلد خلال العام 2022 نحو 12 مليار دولار من المغتربين، الّا انّه للأسف لم تتمكن هذه الاموال من تهدئة العملة بسبب نزف العملة الصعبة في الاستيراد. وللمقارنة ما بين تموز 2022 وشهر تشرين من العام نفسه، خرج من البلد حوالى 8 مليار دولار، والأخطر اعتبار الحكومة انّ عودة أرقام الاستيراد إلى ما كانت عليه قبل الأزمة هو دليل عافية، مشدّداً على انّ ارتفاع حجم الاستيراد ليس دليل نمو مطلقاً، انما هو تجسيد لخروج العملات الصعبة من البلد بهدف الاستيراد، بدل ضبطها وضخها في مشروع اقتصادي انتاجي يساهم في استعادة البلد عافيته.
الموازنة
توقف طفيلي في حديث لـ«الجمهورية» عند حجم الموازنة للعام 2022، والذي يبلغ ملياراً و200 مليون دولار، بينما يبلغ حجم واردات لبنان للعام نفسه 18 مليار دولار، ما يعني انّه بات واضحاً جداً انّ الناتج المحلي اللبناني بأكمله هو استيراد. ولفت إلى انّه قبل الأزمة كان الناتج المحلي 55 مليار دولار مقارنة مع حجم استيراد 19 مليار دولار، وكانت تتراوح موازنة لبنان ما بين 16 و19مليار دولار، اما اليوم فتغيّرت المعادلة جذرياً، وتراجعت الموازنة إلى مليار دولار، بينما الاستيراد وحده 18 ملياراً. والأغرب انّه قبل الأزمة كان يدخل إلى الخزينة من الجمارك 2.4 مليار دولار، ويقدّر التهرّب الجمركي بالمليار دولار. اما اليوم فتتوقع الدولة ان تصل ايرادات الدولار الجمركي إلى 47 مليون دولار مع حجم واردات 18 مليار دولار، ما يعني انّ الواردات المتوقعة لا تساوي شيئاً، حتى أصغر تاجر يمكن ان يؤمّن هذا المبلغ للخزينة. والمضحك انّ هذا التاجر سيبيع البضاعة او سلعه وفق دولار السوق السوداء، بينما يكون دفع ضريبته وفق دولار الـ15 الفاً.
انطلاقاً من ذلك، يسأل طفيلي، اما كان يمكن تفادي تحميل المواطن وزر الدولار الجمركي وفرض أعباء اضافية عليه، بينما اصغر تاجر قادر على تأمين هذه الايرادات من فارق الدولار فقط؟ داعياً الى ضرورة ضبط الاستيراد ومنع بعض السلع، لا سيما الفاخرة منها من الدخول الى البلد.
التهريب إلى سوريا
ورداً على سؤال، أكّد طفيلي انّ الارقام الرسمية لحظت تصديراً إلى سوريا بقيمة 450 مليون دولار، لكن هذا لا ينفي انّ التهريب إلى سوريا واقع قائم لا يمكن انكاره، انما السؤال الرئيسي، ماذا يدخل إلى لبنان مقابل التهريب؟ بالتأكيد دولارات، ما يعني انّ التهريب ايضاً يُدخل دولارات للسوق اللبناني، ولمن تذهب هذه الدولارات؟ بالطبع للتجار. وهنا لا بدّ من طرح التساؤلات: هل هؤلاء التجار كانوا يشترون الدولار عبر صيرفة لغرض الاستيراد ثم يبيعون السلع المهرّبة إلى سوريا بدولارالسوق السوداء؟ إذا صح هذا الامر، فهذا يعني انّ هؤلاء التجار حققوا ارباحاً خيالية. لذا المطلوب كان فرض ضريبة على الأرباح وليس ضريبة على الدخل كما حصل في موازنة 2022. كما المطلوب الكشف عن لائحة المحظيين الذين استفادوا من صيرفة خلال كل هذه المدة، فاشتروا الدولارات بسعر اقل من السوق وباعوه بسعر السوق، محققين ارباحاً خيالية.
المواد الغذائية
أما في قراءة سريعة لجداول الواردات، لفت طفيلي إلى انّ مستوردات المواد الغذائية تراجعت إلى النصف تقريباً. وربط هذه الواقعة بالارقام الصادرة عن إدارة الإحصاء المركزي التي تفيد انّ 49% من الأسر اللبنانية يقلّ راتبها عن مليونين و400 الف ليرة، وهذا يعني انّ هناك قسماً كبيراً من اللبنانيين يأكلون بالدين، ما ادّى حكماً الى تراجع مصروف الاكل وإلى الاستغناء عن شراء سلع غذائية معينة. أما عن احتمال ان تكون الصناعات الغذائية اللبنانية قد أخذت حصة في السوق المحلي فتراجع الاستيراد، يقول طفيلي: «انّ المؤشر الصناعي في لبنان لا يزال سيئاً، فحصة الصناعات الغذائية اللبنانية من السوق لا تزال ضعيفة لبلد اصيب بأزمة مالية كارثية».
ولفت إلى انّه استناداً إلى الارقام الاحصائية، فإنّ مستوردات الصناعات الثقيلة سجّلت ارتفاعاً لافتاً، علماً انّه بالعودة إلى الدليل الصناعي ليس لدينا صناعات تحتاج إلى هذا النوع من المعدات، والمقصود بها التوربينات والنفاثات والمضخات. معرباً عن اعتقاده انّ هذا النوع من المستوردات يصدّر إلى سوريا. فالتوربينات تُستعمل في المحطات الكبرى. والمفارقة انّ الجانب السوري هو من يتحدث عن إنشاء محطات للطاقة الكهربائية تعمل بواسطة الهواء، الّا إذا كان هناك توجّه في لبنان لإنشاء محطات مماثلة، لكن الامر مستبعد.
الذهب
أما بالنسبة إلى مستوردات الالماس والذهب، فقد عاد حجمها إلى ما كان عليه قبل الأزمة، لا بل وأكثر. فالحركة في قطاع الذهب بقيت ناشطة خلال الأزمة، والسوق المحلي لا يزال موجوداً وبقوة، عازياً ذلك إلى ارتفاع الطلب على الذهب من قِبل اللبنانيين الذين يشترون بأموالهم التي أخرجوها من المصارف ذهباً، خصوصاً انّ اسعار الذهب تحسنت عالمياً بعد الحرب الروسية- الاوكرانية.
الطاقة الشمسية والمولّدات
اللافت في ارقام المستوردات، ارتفاع كل المعدات لزوم تركيب طاقة شمسية، وتتمثل خصوصاً بارتفاع مستوردات الواح الطاقة الشمسية إلى 930 مليون دولار في العام 2022، مقارنة مع 54 مليون دولار في العام 2021، و2 مليون دولار في الفترة التي سبقت. وارتفعت واردات البطاريات لزوم تركيب الطاقة الشمسية من 6.66 ملايين عام 2019 الى 43.72 مليون دولار عام 2022، كذلك زادت واردات المدخرات الكهربائية من 61.18 مليون دولار عام 2019 الى 293.85 مليون دولار عام 2022، والترانزيستورات من 7.08 ملايين دولار في 2019 إلى 411.94 مليون دولار في 2022. كذلك سُجّل ارتفاع لافت في واردات المولّدات الكهربائية من نحو 50 مليون دولار في 2019 و22.5 مليون دولار في 2020، إلى 80.27 مليون دولار عام 2022، كذلك ارتفعت واردات المحولات الكهربائية من 36.67 مليون دولار عام 2019 و 14.8 عام 2020، إلى 170.6 مليون دولار عام 2022.
وفي السياق، أسف طفيلي لأن تركيب الطاقة الشمسية، ورغم ارتفاع الطلب عليه، أتى بطريقة عشوائية. فهناك هدر كبير للطاقة في النهار، بينما تنقطع ليلاً عن معظم اللبنانيين، ما يجعلهم مجبرين على الاستمرار باشتراك المولد. وكان الأجدى الحذو حذو نموذج زحلة، التي تشتري الطاقة الفائضة نهاراً من المشتركين وتوزعها وتبيعهم اياها ليلاً.
الدواء
في موضوع واردات الدواء، من الملاحظ وفق الجدول، انّ مستوردات الدواء بعد تراجعها إلى النصف تقريبا خلال الأزمة، عادت اعتباراً من شهر آب 2022 إلى التحسن، رغم انّه لا يزال متراجعاً جداً مقارنة مع العام 2019 حيث بلغ حجم واردات المنتجات الصيدلانية 1242.45 مليون دولار، بينما لم تتخطّ الـ 504.4 مليون دولار عام 2022.
السيارات
وتُظهر الجداول الاحصائية ارتفاعاً ملحوظاً في حجم استيراد السيارات تحسباً للدولار الجمركي، فهي ارتفعت من 771.71 ملياراً عام 2019 الى 1399.55 مليار دولار عام 2022. والملفت ايضاً ارتفاع حجم استيراد اليخوت والقوارب. وتوقف طفيلي عند ارتفاع حجم تصدير السيارات، لا سيما إلى الامارات. واعتبر انّ وراء تصدير السيارات تهريب اموال الى الخارج، مبدياً خشيته من ان يعيد التجار تصدير السيارات التي استُوردت إلى لبنان خلال العام 2022 بدولار جمركي 1500 ليرة، لاسيما وانّ حجم المستوردات ضخم لبلد يعاني من ازمة وانهيار مالي، ليسترجعوا معه الجمرك الذي دفعوه، انما وفق سعر صرف 15 الفاً.
الكماليات
أما بالنسبة الى الكماليات مثل العطور، كريمات العناية بالبشرة، نظارات شمسية، ساعات يخوت، فتُظهر الارقام انّ وضعها ممتاز نسبة إلى شريحة الناس القادرة على استهلاكها. واذا اعتمدنا انّ 49% من سكان لبنان يقبضون اقل من مليونين و400 الف ليرة، نستخلص انّ حجم استيراد الكماليات مرتفع جداً نسبة إلى 51% من اللبنانيين فقط.